Monday, April 11, 2011

ما لم تغيره الثورة في

كان من المفترض , و قد استعدت شيئا من قدرتي على الكتابة , أن أكتب عما يحدث الآن من مظاهر مستفزة في العملية السياسية المصرية , أفرغ غضبي و أقدح في الإخوان و التيارات الإسلامية قليلا و هو أمر يستحقونه على أي حال , و أنهي المقالة بابتكار مجموعة من الحلول أو التأكيد على حلول طرحت مسبقا في أماكن أخرى , لكنني لن أفعل ذلك , أولا لأنه لا سلطة لي لطرح الحلول و طلب تنفيذها , و ثانيا لأنني أجد الأمر رائعا تماما , أن أكون أنانيا , و أغرق في بحر ذاتي المريضة .

هذه ليست مقالة , بل خاطرة من دفتر اليوميات .. سأكتب - كالعادة - عن الماضي , و أشياء أخرى غير مترابطة .

و علي أن أعترف بداية بأمر ربما يعرفه المقربون مني, و لا يعرفه الآخرون , و هو أنني أكره البشر جدا .. طبعا أحب أصدقائي و أهلي و فلان و فلان و علان حبا صادقا .. لكنني ضد البشر كفكرة , و أبغض الوجود البشري في هذا الكون ولا أجد له مبررا .. أو لم أجد من تصرفات البشر و أفعالهم على مدار التاريخ ما يجعلني قابلا لتصديق أي تبريرات دينية أو فلسفية عن غرض وجوده , و لك أن تتخيل هذا الصراع المحترم الذي يدور بداخل إنسان يحتقر فكرة الإنسانية .. يبدو أنني في النهاية لا أكتب من فراغ .

هذه الحالة لها مصطلح انجليزي يعرفها Misanthropy , لكن لم أجد له مقابلا في العربية ..

كان هذا هو السبب الرئيسي , كما يمكن لك أن تستنج , في كل أفعالي و أفكاري تقريبا , بدءا من علاقتي الشاذة مع الرب , مرورا برغبتي الطاغية في العزلة الاجتماعية و التوحد , عدم رغبتي في الزواج و حتى أي شيء آخر .. صحيح أن لهذا المنطق ما يفنده , لكني لم أستطع أن أرتبط داخليا سوى بتلك الحالة .. ربما ضعفا مني , أو ارتباكا في اتخاذ القرارات المصيرية , لكنه لم يكن أبدا هروبا للأسهل .

الاستثناءات قليلة جدا بالفعل , تلك اللحظات التي استطاع فيها الإنسان التغلب على نفسه , و إثبات أن لوجوده تلك القيم الخيرة الرومانسية التي يتشدق بها دوما .

و اسمحوا لي باعتراف آخر , و هو أنني حتى يوم الخامس و العشرين من يناير لم أكن مقتنعا بالمشاركة و لا الفكرة نفسها , التي بدت لي هزلية جدا - تحديد موعد للثورة على الفيس بوك - كان الغرض الرئيسي من مشاركتي هو نوع من التجربة لا أكثر لأبسط نشاط سياسي و هو التظاهر , و قد فكرت في الأمر كثيرا جدا , و نزلت متغلبا على أكبر عائق بالنسبة لي وقتها – و ربما حتى الآن – و هو تواجدي في الزحام مع أناس لا أعرفهم , إذ قد يتطلب ذلك أي احتكاك اجتماعي بهم , كحديث قصير أو ما شابه , و هوا ما أنفر منه أشد النفور .

لكن ما إن انتهى اليوم , حتى اندمجت في الحالة الوطنية كما فعل الجميع , و نسيت كل عقدي و مشاكلي لفترة طويلة , الجميل أننا أخرجنا في تلك الفترة أفضل ما في إنسانيتنا على الإطلاق دون أن نعلم ذلك , و دون أن ندري إن كان لأي شيء من ذلك نتيجة , و هو أروع ما في الأمر , إذ خرج كل شيء بعفوية شديدة , فأصبح الزملاء أصدقاء , و الأصدقاء إخوة , و ازدادت روابطي مع من حولي و أصدقائي بالذات بصورة مريعة كنت أخاف منها سابقا .

و من الطبيعي أن تكون نتيجة كل ما فعلناه في هذه الثورة , أن أظل أسبوعا كاملا في حالة من الذهول أو الصدمة , التي اختلطت بمشاعر سعادة حقيقية لم أشعر بها منذ ما يقارب الخمس سنوات .. كنت في حاجة ماسة إلى من يثبت لي أنني مخطئ , و أننا كبشر قادرون فعلا على تغيير كل شيء و فعل ما نريد ..

و قد حدث .

و ظللت عدة أيام فخورا بأنني إنسان حر , و بأن الله لم يخلقني سلحفاة كما كنت أتمنى دائما .

عموما , و فقط كي لا يختلط عليكم الأمر .. أنا لم أكتب كل ما سبق لتبرير موقفي أو بيان حدوث أي تغير بداخلي ..

أعلن أن الجهاز التجريدي الرائع الذي أملكه في عقلي قد قام بواجبه على أكمل وجه , و أنني الآن كما كنت سابقا Radical misanthrope , ربما أكثر ثقة بقدرتنا على تنفيذ ما نريد .. لكن لا فرق , أنا أبغض ذلك , لكن لا أريد أن أتحول إلى كائن آخر عما كنت أعرفه , أو بمعنى أكثر دقة , لا أدري إن كان يجب أن أتغير فعلا أم لا .

فلتحتفلوا إذن بعودتي إليكم كائنا وضيعا مرة أخرى .